مـنـتـدـيـا ـت البنات
مـنـتـدـيـا ـت البنات
مـنـتـدـيـا ـت البنات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مـنـتـدـيـا ـت البنات

::::أهــــلا وســـهلا بــك فــي مـنـتـدـيـا ـت البنات ::::
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 إلى الموت يا [ أنا ]

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ـعاشقـ ـالحزنـ
Administrateur
Administrateur
ـعاشقـ ـالحزنـ


عدد المساهمات : 12
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 27/10/2009
العمر : 34

إلى الموت يا [ أنا ] Empty
مُساهمةموضوع: إلى الموت يا [ أنا ]   إلى الموت يا [ أنا ] I_icon_minitimeالثلاثاء نوفمبر 17, 2009 3:33 am

[size=16]حديثهم الصامت، همساتهم، نظراتهم.. كلها تُشير بأن ثمّة حديث مخنوق يتبادلونه؛ يخصني، موسماً باسمي.! كلما أنظر إليهم ليخبرونني ما الشيء المختبئ خلف نظراتهم.. يبتسمون باصفرار ثغرهم.. ليكذبوا: " حمداً لله على سلامتك يا فجر".
هذه أول كذبة في رصيد حسابهم، ليزداد بعدها حسابهم في الكذب ليصل إلى حد الاكتفاء، لكنهم يزيدون.!
- إنه البرد-
يؤكدون لي أن الأمر على ما يرام، وأن الألم سيزول قريبا. ثمّ يكررون الابتسامة من حين لآخر وكأنهم يرسلون رسالة كاذبة مفادها: (عادي).!
وجوههم الشاحبة تشهد على كذب كلامهم الصادق.
.
ودعتُ السرير الذي استضافني طيلة الأربع أشهر إلا عشرا، ولم يصب بأي ممل أو كلل.! قبّلته قبلة الوداع.. قُبلة هي أقرب للهرب منه، فوجدته ذو أمل بلقاء آخر وكأنه يحكي : خليّنا نشوفك .!
قبل مغادرتي أعطاني الطبيب برنامج خاص لمواصلة العلاج؛ لأتخلص من البرد " الخاص"..
(كلّ يوم أحدٍ وخميس يجب أن أراك يا فجر). أسبوعياً إلى أن يشاء هو.!
.
عادوا إلى المنزل برفقتي فرحين، كان أشبه بيوم العيد.. رأيتهم يحتفلون بي.! هل هي "بروفا" لما سيفعلونه بعد نتائج الثانوية لهذا العام.!
عيد ميلادي الذي لا أذكر أنهم أيقظوه يوماً .!
إلا أني متأكد في تلك اللحظة.. أني عريس الغفلة .!
فجرٌ جديد.. هكذا رأيته بالمرآة بعد انتهاء الحفلة. نحيل جداً كجذع نخلةٍ خاوية، وصلعةٌ كأنها شمسٌ تنافس شمسنا.! أين فجر القديم؟! "هذا سؤالي عني".
صادقة أنتِ يا مرآتي.. صَدَقْتِيني حين كذبوا .. أهلي وأنا.. ورغم صدقكِ فاسمحي لي..
هرعوا جميعا نحويّ لما سمعوا.. وجدوني أحطم مرآتي وأشيائي بكل عنف وكرهي يأمرني بقوة .. فقط، لأنهم صادقون.
أمسكوني برفق لألا أتكسر بين أيديهم .. هدأتُ بعد رؤية دموع أمي، ضمتني إلى صدرها.. بعدها أخبروني بأن الأمور على ما يرام وأن ما حدث شيء طبيعي.!! ثم ناولوني الدواء.
كاذبون، ويعلمون أنهم كاذبون، كعلمي لتصديق كذبهم.
.
مجرد أعارض برد .. هذا ما حصل لي. ظلّت هذه الفكرة تترنح في مخيلتي، لأستطيع تصديقها من أي اتجاهٍ كانت. .. أها ..
كيف البرد يجرّد الشجر من أوراقه.! هكذا فعل بشعري، وكيف أنه يبقي الشجرة ذابلة ناحلة بلا حياة، وأنا فعل بي كذلك. ضحكتُ على نفسي بهذا التفكير "الاعتباطي" الأقرب للمنطق الحالي، لا لشيء؛ فقط لأصدّق كذبهم، خاصة وأني لا أعرف الحقيقة..
فعليّ أن آخذ كذبهم كحقيقة بديلة لا أكثر.
.
في شوارع المدينة، كانت لي هناك جولة، كسر للروتين الجديد ربما. أتسكع هنا وهناك، كأنها مدينة جديدة، وهم ينظرون إليّ كنظرتي لهم.! لا تختلف.. مضيت وكأني لم أر شيئاً.. وأن الأمر " عادي".. إلا حين وصلتُ عند رجل عجوز عاث عليه الزمن فسادا؛ يجلس في مقهى مكتظ بالعابرين، يشربون " الأرقيلة".
مال إلى صاحبه العجوز الآخر وبصوت مرتفع: ثوف ثوف أبو قرعة.!
ضحكا لأنهما محتاجين لشيء ما يضحكهم بهذا العمر..!! فكنتُ أنا ..
أسرعتُ بالخطوات هربا منهم بعد أن ضحك الجميع ربما على مخارج حروفه المشلولة.. وربما على صلعتي.!

في الحقيقة.. لم أشترِ القبعة.. فبعثتُ أخي وبقيت سجين غرفتي، أنظر وأتأمل إلى صديقتي المرآة الجديدة.. أحدثّ نفسي بكل أنواع الحديث، مرّة أضحك معها على مظهري الجديد، ومرّة أوبخها، وتارة أغضب منها فاشتمها وأمضي، في كل الأحوال أستطيع أن أجزم أن هذه التصرفات باتت يومية عادية جداً، بل هي شيءٌ ضروري في حياتي.. فهذه اللحظة الوحيدة التي تمنحني لأعرف أكثر عن نفسي.
.
ارتديت ملابسي الأنيقة، تعطرتُ؛ وبيداي المعطرتان مسحتُ وجهي وبالطبع صلعتي.. كأول مرّة قبعةً قبيحة رغم جمالها تستقر على رأسي، لكنها أفضل وأجمل من "صلعتي" التي اعتدتُ عليها واعتادت عليّ؛ حتى أصبحت مَعْلم بارز من معالمي الجغرافية. حَمَلَتْ حقيبتي يدي النحيلة وذهبنا للمدرسة المشتاق إليها، بكل قوة وتحدي لكل الأشياء والبرد وهزلي. أمشي بعكس التيار غاض الطرف عما سآؤول إليه.
استقبلوني بترحيب حار، فأخبرتهم بأن البارد والحار معاً؛ قد يؤذي فخذوا حذركم، ضحكوا وظنوا أني أمازحهم، فتصنعتُ ذلك بأمرٍ مني بعد أن تذكرتُ أن البرد كلمة كاذبة أصدقها أنا فقط.
سعيدٌ برؤيتهم وهم سعداء.. ومن شدّة سعادة (حامد) بعودتي ومن باب المزاح خفّ يده ونزع القبّعة، فضحكتْ له صلعتي وخاف هو.! مما تسبب لي بإحراج شديد فأعادها بحذر ليحبس ذلك الشيء اللامع الضاحك.. سألني لا شعورياً: ليه هيك؟ فأجبته ببرود: إنه البرد.
أنهى المعلم بشكل سريع ومفاجئ الموقف وبدأ بالدرس، خشي من الأسئلة المحرجة لي؛ بالأحرى التي لا أعرف جوابها أساساً. وكأنه يعرف شيء ما ويحفظه لنفسه.! تباً لك يا معلمي الماكر.

مع الأيام المستمرة بطولها وعرضها .. لم يكن لهم حجة بعدها لألا يعتادوا عليّ "فجر جديد" أو ليلٌ جديد، لا يهم.
واصلت بالدراسة التي ستكون لي درعاً وسيفا وعِلما وعَلما في حياتي، غير مبالي بآلامي وأحزاني التي تراودني عن فكري، إضافة إلى بعض الأدوية اللا منتهية وزيارات متواصلة مع الطبيب المعالج لبردي .!
بعد أسبوعان من الدراسة، جلس بجانبي (حامد) في المدّة المحددة لنا لاستعادة نشاطنا، (الفسحة) بالمعنى القريب. نأكل الحديث سوياً،
استوقفني بقوله: تصدّق يا فجر! أن ابن جيراننا أصبح مثلك.! مثلك تماماً.!! فأخبرنا أبي أنه مريض بسرطان الدمّ؛ ولن يعيش طويلا. فهذا المرض الأخطر.. وما أصاب أحدا من البشر إلا وفتكه.! ولو بعد حين، الذي يعجبني يا فجر أنه يتصارع مع الإنسان وكأنهما بحرب ضروس.! تنتهي غالباً للأقوى.!
.
قُمت من جانبه لا شعوريا أمشي بين ممرات المدرسة أفكر فيما يقوله. لم أكلمه كما التزم هو بالصمت. بعد انتهائنا من المدرسة بذلك اليوم جلستُ أفكر بكلامه.. أعلم أن لا ابن جيران له مصاب، ولم يخبره أبيه عن ابن جيرانه المزعوم. ولا يعرف أحدٌ غيري هكذا. علمتُ أنه يريد إخباري بطريقة ما؛ بعد أن علم بجهلي عن أمري. فكرتُ كيف أتأكد من كلامه.. ومن الكاذب هذه المرّة.. فأهلي سيكذبون عليّ للمرة العاشرة بأنه مجرد برد من النوع الثقيل.! ويؤكدون أنهم صادقون ويعلمون أنهم كاذبون في كل مرّة.! ولا أبرئ حامد من الكذب.. لم أعد أصدق أحداً .. وأصابني شيءٌ من الفضول لمعرفة ما بي.

آآآخ .. لِمَ لمْ أفكر بك من قبل.! على الرغم من أني يوميا أراك.. تعال يا عزيزي Google أخبرني بما يخبئون وما لا أعلم به. فكشف لي سريعاً أن كل الأعراض التي تلازمني لا تكون إلا لمرضى سرطان الدمّ.!
الآن ياGoogle .. لماذا لم تخبرني قبل هذا الوقت.! لم لم أفكر بك منذ مدّة.!

كرهتك ياGoogle، كرهتك يا حامد، كرهت نفسي وجميع أهلي، كرهت الكذب والصدق معاً.. كرهت كل شيء، كأنها أمواج تصفع بي فلا تأخذني هي ولا تلقيني بيابس، ظلام حولي دامس.. لا .. بل أبواب تغلق بكل عنف بوجهي..! أريد الهروب.. أين؟
(أنقذووني) ...
كانت هذه الصرخة نهاية كابوس يجتاح تفكيري التائهة، استيقظت منه بعد أن أرخيت رأسي بين يدي، اعتدلتُ للنوم بعد القلق اليومي المعتاد.
.
في الصباح الباكر، كان لي لقاء مع طبيبي المعالج؛ ذهبتُ إليه وحدي على غير العادة، استقبلني كعادته؛ وجهٌ بشوش كاذب. نهاني ألا أعود إليه بمفردي في المرات القادمة مؤكد على حرصه الشديد لي.
كنتُ مختلفاً، يُرى بعيني أسئلة كثيرة؛ فهم ما يجول بنفسي إلا أنه غضّ الطرف عن كل تلك الأسئلة.. فبادرته:
- دكتور.. ما البلاء الذي يأكل جسدي شيئا فشيئاً ؟
- برد ..
- ما اسمه ؟
- بردٌ يا فجر .. ولو!!
- ما المانع لو قلتَ لي أنه بردٌ مضاف إليه شيء من سرطان الدم ؟!
- ( في ذهول يحاول إخفاءها): ومن أخبرك؟ لا لا .. لا تصدقهم.. إنهم كاذبون مخطئون.. دعك عن هذا التفكير وهيّا معي إلى غرفة العلاج.
- جئتُ اليوم لأحدثك لا للعلاج يا دكتور نادر. أريد معرفة الحقيقة التي باتت مكشوفة.. دعك أنت من الكذب وأخبرني..
ولمّا سمع ما أقوله.. أسند ظهره إلى كرسيه وأمسك بقلمه للحظات، ثمّ ما لبث إلا أن أخذ يدي برفق بعد أن جلس بجانبي، ضمها برفق وابتسم..
ولكأني أرى أمامي "عمر عبد الكافي"! بعد أن توشح بالإيمان، في هذه الأثناء فقط.
- يا فجر؛ هل تؤمن بالله ؟
- نعم
- وملائكته؟
- نعم.
- وكتبه ورسله واليوم الآخر؟
- أها.
- القدر خيره وشرّه.. هل تؤمن ؟
- نعم.
- الموت والحياة، وأن لكل كتاب أجل ؟
- أعلم والله ذلك.
توقف عند الأخيرة وما قلبها كثيراً .. بعد أن أكدتُ له أني أؤمن بكل ما يمكن الإيمان به، حتى كرشته أؤمن بها. ثرثر عن القدر والحياة والموت.!
أخبرني أن الحياة هي الحياة الآخرة مهما طال العمر، وعلينا كبشر أن نعمل ونجدّ بالدنيا لننال الآخرة، فما حياة الدنيا إلا متاع الغرور. شبّه الدنيا بذاك الحقل الكبير ونحن المزارعون.. فإن زرعنا خيرا كان لنا خيرا. وإن زرعنا شراً كان لنا شراً.
الجنّة هي مبلغ كل إنسان على الأرض.. يحاول جاهدا للوصول إليها.. ولن نحصل عليها إلا إذا زدنا معيار الإيمان في قلوبنا.
كرر كلام معلمي الإسلامية "الدنيا جنّة الكافر، وسجن المؤمن". أكد لي بإصرار أن الآخرة أفضل. وما عليّ فعله الآن هو الرضا بما كتبه الله، كاختبار أول للنجاح في الإيمان.. على حدّ قوله.!
فسألتهُ: ألست بطبيب تعالج من هم بحاجة لعلاجك قبل إيمانك؟ فلِمَ لم تعالجني؟. فأعاد ما تم ذكره بالأعلى، وما عليّ سوى الإيمان، فحسب.!
.
عدتُ إلى المنزل أحمل تساؤلات كثيرة.. لم أجد لها حلاً ولن أجد.!
وجدتهم بانتظاري، فالطبيب أخبرهم بما حدث؛ هذا مؤكد.. أقبلوا إليّ يصافحونني بحرارة ويقبّلون جبيني مرّة وخدّي مرةً أخرى. أجلسوني بينهم في حلقة لا تكون إلا للذِكرْ.. وهذه لا تحدث في بيتنا.! بدءوا بذكر الله، ثم الصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلّم، بعدها قام أخي الكبير يخطب.! بدأ بـ:
الدنيا إذا أوجست جفت.. والدنيا إذا أينعت نعت
( يا أيها الإنسان إنك كادح لربك كدحا فملاقيه6)

تباكى الجميع ثمّ أكمل: ( كل نفس ذائقة الموت) .. ارتفع صوته بعد حديث طويل.. الرضا الرضا بما كتبه الله.. واتقوه ..
أنهى محاضرته بدعاء كان على ما أظن: اللهم اغفر لنا بعد موتنا.
وهذا من العجلة.. ألا قاتل الله العجلة.!

الوحيد في هذه الحلقة من صفق له بحرارة وقلت له: again again. قمتُ في الحال متوجهاً غرفتي تاركاً لهم رسالة: (عفواً.. تمثيلية الدراويش لم تنال إعجابي).
.
في غرفتي.. تتشكل لي تساؤلات تكاد تقتلني لعدم معرفة الأسباب المقنعة لعدم الإجابة عنها.
لماذا يلونون لي الموت بلونٍ ورديّ.! وأنه شيءٌ جميل، والأفضل لنا.! لماذا يهيئون لي قبري من الآن.! يجهّزون كفني، يفكرون من سيلقنني.!
في حين لو ذكرتُ لهم على سبيل – الافتراض- أنهم أيضا ميتون، سينقلبون بغضب، بوجوه مسوّدة. سيكرهني الجميع.! سيقولون أن المؤمن يطلب من الله أن يمدّ له عمره ليعمل صالحا.! لماذا كل المعادلات تصبّ لصالحهم.. إلا أنا.! عليّ أن أرضى بما أصابني وأستسلم له دون الأخذ بالأسباب.! وأن ألقى الموت بقلبٍ منشرح وابتسامة عرضها السماوات والأرض، كأنه الحبيب الغائب.!
لا أدري.!!
طُرق الباب في هذه الأثناء؛ فكان أخي الصغير يمشي على استحياء، يحمل في يده هديّة.. فرحت كثيراً بهذه الطلّة.. اقترب نحوي وأعطاني الهدية.. بسرعة فتحتها لأرى مكنونها.. فأنا محتاج لصدق الطفولة وبراءتها. . نظرتْ ..

أووه.!! يخرب بيتك.!! شريط محاضرة بعنوان: "الغسل والموت" للشيخ عبد الحميد كشك.!!

طب انقلع برّة يا مطوّع زغنون ..

.
عدتُ لأحدث نفسي بعد ذلك المشهد الأقرب لفاصل إعلاني.!
مرحباً بك يا سرطان، حللت أهلاً وأكثر يا شيخ؛ ووطأت سهلا جداً. أنتَ صديقي الجديد الذي لو افتديتُ له كل ما أملك وما يملكون لترحل عني؛ ما أنت براحل أبداً.
" شبحٌ يطلّ عليّ خياله من فترةٍ لأخرى، فأجد في خياله الموت الذي صوروه لي بسيارة لموزين فارهة.! تأخذني إلى مكان قصيّ؛ بالطبع مكان أفضل من هذا".

يـا أيها النوم.. تعال لأهرب معك لحلمٍ مؤقت أشعر فيه أني فجرٌ ولو لقليل من الوقت.. فلنترك السرطان وأهلي والدنيا. .
.
.
قدرتي على تحمّل هذا المرض، والعلاج المتعب، وكِذْبُ الجميع وتمثيلهم المستمر.. كانت كبيرة جداً. فقط لأجل الكتب واقتراب موعد الامتحانات النهائية.
التهمت الكتب بشراهة؛ بصحبة حامد، الصديق الأقرب إليّ في هذه الفترة القاسية دراسياً وأشياء أخرى، وكأنه يعلم بفقدي، فتمسك بصديقه بقوة.
ضحك حامد حين لاحظ أمراً لم أتنبه له في قوله: كل الناس يا فجر تجدد نشاطها بنسكافيه أو لِبتون.. إلا أنت.! تمسح بيديك صلعتك فيعود النشاط لك كما لو أنه لم ينقص.! عجيب أمرك وأغبطك يا حبيبي.
- الذي لم أذكره، هو أن حامد أرسل لي رسالة يخبرني فيها أني الأقرب إلى قلبه وأننا كالأخوة، فكان تعبير هذه الرسالة، بحلق كامل شعره ليكون مثلي، في الحقيقة صلعتي أجمل مؤكداً هو بقول: أكيد أصلية ياعمّ.!!
أعلم يا صديقي يا طيّب الروح أنك فعلت هذا حباً لي ولتطرد اليأس عني وتمنحني بعض الثقة.! لكنك لم تعلم يا عزيزي أني لم أعد آبه بما سيحدث، شيءٌ من اللامبالاة سكنتني؛ أو نوع من الاعتياد على نمط مؤكد أنه لن يتغير.
.
.
خُضتُ معركة حامية مع الاختبارات الشاقة، رغم ما ألمّ بي من ألم. ثلاث أسابيع هي المدّة المحددة للحرب، ثم وضعت أوزارها غير أن الغنائم لم تحدد لصالح من تكون. إلا بعد الإعلان عنها في الجريدة، بعد أسابيع أجهل قدرها.
.
بعد أيام من انتهاء تلك المعركة، لم يعد لي أيّ حجة للصمود أمام المرض. هكذا انتابني الشعور. فقدان الأمل من عدم الشفاء، والفراغ، كانا كفيلان ليساعدان المرض عليّ. .. فاستعلى بجبروته وانتشر بقوّة.

إعياء شديد، حرارة تكاد تحرقني، شيءٌ أشبه بسكين حاد يطعنني بكل مكان؛ ولا استطيع الصراخ، فلا أنا قادر ولا هم يشعرون. نقلوني على أثرها إلى المشفى من جديد، وارتميت على السرير الأسود مرةً أخرى .. ثمّ:
رأيت الموت بأبهى حُلّة، استقبلته بحفاوة، بالورود والأزاهير، أخذني لمكان ربما رأيته. قيل لي أدخل الجنة.! أنا بالجنةٍ إذاً .! نعم إني أرى غُلمان يطوفون بأكواب من فضة؛ فيها شرابٌ لذيذ. وأنهار وعصافير.! وحور عين " النساء الجميلات"، إني بقصري الآن. فيه طعام كثيرٌ وشراب.. فقط هذا ما رأيته بالجنة. فهذا كل ما كنت أسمعه عنهم حين يصفون لي الجنة.!
.
.
كسر هذا كله، نهار الأربعاء. أيقنتُ أن كل ما رأيته لم يكن سوى أضغاث أحلام.! ولم يخبرني به إلا الوخز القويّ الذي نهش جسدي النحيل. أشهق بقوة.. انفلقت عيناي بكامل اتساعهما تبحث عن مخرج؛ ولا مخرج.! أريد الصراخ بكل قوتي: إني أتجرع الألم بكأسٍ من نار.. ما بالكم مكتوفي الأيدي.. افعلوا شيئاً.
الطبيب يعبثُ بالأجهزة المحيطة بي من كل جانب، يقدم لي ما يمكن ليبقيني على قيد الحياة لأيامٍ أخر، أو عدة ساعات معدودات.!
فجر- فجر- فجر- قُل شيئاً فجر .....
حرارة كلامهم تؤكد الآن أنهم مستعدون لفعل أي شيء لإبقائي حيّاً.
تباً لكم، لِمَ لم أره قبل هذا؟ الآن جئتم!! ولا تحملون إلا البكاء وشيءٌ من عويل.! أُفٍ لكم ولحبكم وحرصكم لي، وما كان ذلك إلا جزء من الموت.
حامد هنا!! وفي عينيه ألف دمعة!، حضنني بقوة يهمس لي: "رحيل صلعتك سيؤلم صلعتي. فلا ترحل الآن".
أعلم أنك تريد ابتسامة من شفتيّ بحديثك اللطيف. لكن لا استطيع الآن، فتحدرت دمعتان من مقلتي.. عرف حامد أنهما نذير شؤم.. واقتراب موعد الرحيل.
بكى بجنون وأخذ يصرخ بقوة: فجر أبقى يا فجر.. فجرٌ لا ترحل الآن فجر..
لحظات هي..
وإذ بالوخز يزداد حدة وانتشارا.. والعرق يتصبب مني بقوة، وإذ بأطياف النعش والكفن تتراءى أمامي؛ تسري بعجالة نحوي، والقبر يُفتح بابه لي ومعه عتمته المخيفة، لم أعد أرى أحدا.. سوى، سوى.. ..... .. ياااااااا ربّ ..

.
- "تووووو...ت" ... هذه كانت صفارة النهاية تُطلق على الملأ ..،
لتخبرهم أن فجرهم غاب مبكراً،، فاستريحوا وأعدوا الكفن.

،،
فارق الحياة فجر ولم تفارقه..
فبعد وفاته بأسبوعين تصدرت الجريدة ذات صباح نتائج طلاب الثانوية، تحمل في مقدمتها صورة بارزة بابتسامة نُسبت لفجر، ليُكتبَ تحتها:
الأول على مستوى الدولة/ فجر صلاح .. بنسبة 99.3% .

،.
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://bnita.yoo7.com
bantlablad
مديرة المنتدى
مديرة المنتدى
bantlablad


عدد المساهمات : 93
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 27/10/2009

إلى الموت يا [ أنا ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إلى الموت يا [ أنا ]   إلى الموت يا [ أنا ] I_icon_minitimeالثلاثاء نوفمبر 17, 2009 4:09 am


شكرااا لمساهمتك القيمة
واتمنى ان تذكر كل غافل عن ذكر الله وعن ضياع وقته وعمره فسيسأل اين افناه

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
إلى الموت يا [ أنا ]
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مـنـتـدـيـا ـت البنات :: ¤©§][§©¤][ الاقسام الرئيسية ][¤©§][§©¤ :: .•:*¨`*:•. الــــســَّــاحـَــة الـــعـَــامــّــة .•:*¨`*:•.-
انتقل الى: